مجلة آفاق الأدبية _____ قراءة نقدية لقصيدة خوابي الحزن ____ بقلم أ. عارف عاصي
أعزائي الكرام
لقد كرمني استاذي الشاعر الكبير أ. عارف عاصي بقراءة إحدى قصائدي ضمن برنامجه الأسبوعي ((قراءة شاعرة)) احببت أن أطلعكم عليها وتعبيراً عن خالص شكري وتقديري لأستاذي الشاعر الكبير عارف عاصي..
ـ************************ـ
إليكم القراءة الشاعرة لقصيدتي
((( خوابي الحزن )))
قـراءة شـاعـرة
بقلم : عارف عاصي
***********
هو برنامج غير نقدي لا يفتح النص إلا للوقوف على جمالياته والخروج عن نمطية الرد المقتضب و إعطاء المبدع شيئا من حقه
*****************
قراءة اليوم
لقصيدة "خوابي الحزن"
لشاعرنا الكبير الأستاذ: جمال محمد حمود مهدي
***********ـ************
{[[[ خوابي الحزن ]]]}.
***********ـ************
ما قيمة الحزن إن لم نلعق الصبرا
ونجرع المر والآلام والكدرا
..
ما قيمة الآه من قلب به فرح
ما أوجع الآه ممن قلبه انفطرا
.
قلبي مع الحزن تاريخ وفلسفة
من أول النشء يطهوني وما ضجرا
.
حوادث الدهر والأيام أتعبها
صبرا ولو علمت من ذا لها قهرا
.
لألقت السلم لا تأتي على أحد
من بعد قلبي وما في الناس من ظفرا
.
بحرية الطرف هات البحر يطفؤني
ما دام عيناك لا ترنو لمن جزرا
.
جمر من الحزن في الأضلاع قد سكرت
من حبة القلب والأحباب من عصرا
.
لا أرتجي البرء من حزني فذا قدري
لكنما هل لبعض الحزن من دحرا
.
يا قلبيَ الطفل يا مسكين معذرة
إني بذرتك في رمل بدت دررا
.
خوابيُ الحزن ما زالت مضاجعها
ولادة الويل في الوجدان مستعرا
.
تمشي بعجرفة العنقاء في كبدي
لم يأتها العقم والتصبار ما قبرا
.
تهزهز الجذع كي تأتي لها رطبي
وتشرب القلب مكموداً ومنكدرا
ـ........
************************
مستعينين بالله نبدأ القراءة
القصيدة جاءت على البحر البسيط كاملة الروح و الإيحاءات رائقة الصور باهرة التناغم بين اللفظ و الجرس و المعنى
للتنقلنا لعالم رسمه شاعرنا بريشة مبدع و مخر لج بحره كربان ماهر
لوحة متكاملة بين الحسي و المعنوي
ليرسم لنا من خلال هذه كله صورة لمعانانه و ألمه
==================
خوابي الحزن
العنوان يحمل روح النص و يرسم للمتلقى صورة و لو جزئية
مما سيقرؤه في النص
او يحمله خياله للوحة العامة المرتقبة
******
يبدأ النص بالاستفهام
و الاستفهام يفتح الالباب و يحرك التفكير لما بعد السؤال
ما قيمة الحزن؟!
وكأن شاعرنا يطلب جوابا من كل من يمر بنصه فيشركه في قضيته فيعايشها و ينفعل بها او ربما تصل المشاركة ليكون من رسوم القصة كل على قدر انفعاله و تجاوبه للسؤال الملقى والذي يطلب جوابا حقيقيا
ولكن شاعرنا لا يتركنا كثيرا في حيرة التساؤل
بل يردف لا بالجواب
بل بتعميق السؤال
إن لم نلعق الصبرا !!!
وكأنه يقول
ليس كل حزن بحزن
الحزن الحقيقي هو ذلك الذي من جرائه ان نلعق الصبرا
والامر هنا يحمل المرارة في قلب الشاعر و يخرجها واضحة لكل من يعطي اذنا وقلبا لسؤاله
ويزيد باغترافه
من عمق ألمه ومن جب جرحه
فيردف
ونجرع المر و الآلام و الكدرا
الصورة على قتامتها
لكنها في حقيقتها واقع قلب انفتح فخرج ما فيه رغما بعدما فاض كيله
ما قيمة الحزن إن لم نلعق الصبرا
ونجرع المر والآلام والكدرا
**********************
لم يكفه السؤال الاول
فمازال جرحه راعفا نازفا
فيبحث في العلاجات المتاحة ولعل منها "اﻵه"
اتراها مسكنا حقيقيا
اتراها دواء وطبا ناجعا شافيا
هو بسؤاله يحرك الأذهان حول هذا
ما قيمة الآه؟؟!!
و ليست أي آه
بل هي آهة من قلب مقروح من الآلام التي تناوشته
ثم يردف ب:
ما أوجع الآه
منتهى او قمة التعجب
من هذه الآه الموجعة التي تترجرج بالصدور
"ما أوجع الآه"
أرددها مع الشاعر و استشعرها و هي تخرج من قلبي كما خرجت من قلبه فأشعر بوجعها كما شعر به تماما
وهذا من روعة وصدق إحساس الشاعر أن تصل كلماته إلى قلب المتلقي
نعم
ما أوجع الآه ممن قلبه انفطرا
واختيار الشاعر للكلمات الموحية كان من الروعة بمكان و بمكان كبير
ما قيمة الآه من قلب به فرح
ما أوجع الآه ممن قلبه انفطرا
*********************
تتكشف الخيوط
شيئا فشيئا
قلبي مع الحزن
تاريخ و فلسفة
فليس حزن عابر
ياخذ من الوقت ما ياخذ وينتهي
بل هو تاريخ
و التاريخ ممتد عبر الازمنة
من اﻵزال للآباد
لوحة متسعة بعمق الزمن كله
ممكن نتوائم مع الزمن بإنكار ما يحدث او بتهميشه في العقل هذا لو كان تاريخا فحسب
فماذا لو صاحب التاريخ الفكر فاصبح مع الزمن فلسفة
اصبح مجسدا زمنا و فكرا
فأنى له من مهرب
ثم يردف
من اول النشء
والكلمة متسعة
فقد تكون خاصة بنشأته هو
او من أول النشأة في بدء الحياة
ثم بوضح عمق حزنه
فذلك الحزن يطهوه ولا يمل من طهيه "يطهوني وما ضجرا"
قلبي مع الحزن تاريخ وفلسفة
من أول النشء يطهوني وما ضجرا
**********************
كما قلت تتكشف الصورة شيئا فشيئا
حوادث الدهر
ومن منا لم تصبه حوادث الدهر
ولكنه يقر انها لم تنل منه بل هو الذي أتعبها
و أعياها صبرا
ولو علمت هذه الحوادث من قهرها
لكان لها شأن آخر مع البشر من بعده
حوادث الدهر والأيام أتعبها
صبرا ولو علمت من ذا لها قهرا
*********************
هذا الشأن الآخر
و التصرف الحادث من حوادث الدهر
انها "تلقي السلم"
تستسلم
فلا تصيب احدا من بعد قلبه الذي كان تمثالا و طودا شامخا في صبره
ووما في الناس من ظفرا
و كأنه يسال
و هل في الناس من ظفر من حوادث الدهر مثله
لألقت السلم لا تأتي على أحد
من بعد قلبي وما في الناس من ظفرا
**********************
هنا تكشفت الصورة تماما
"بحرية الطرف"
و كفى به وصفا
ولك أن تتخيل ذلك الطرف الموسوم بالبحر في زرقته في اتساعه في جماله في هدوئه في عمقه
ضع من الاوصاف ما تشاء في "بحرية الطرف"
لترتسم صورتها في خلد المتلقي
ولكنه هنا يناديها
بحرية الطرف
هات البحر يطفؤني
فمع كل اوصافها و جمالها فقد اوجدت النقيضين فمع انها بحرية فقد اشعلته
فيحتاج للبحى ليطفأه
فهو يطلب المد من بحرها
إذ ان عيناها لا ترنو لمن جزرا
و قد اصابه الجزر من نظرتها البحرية إذ أخذت كل ما فيه من سر الحياة
بحرية الطرف هات البحر يطفؤني
ما دام عيناك لا ترنو لمن جزرا
*********************
ليس الاشتعال الذي يطلب الاطفاء فحسب
بل صار له جمر في الاضلاع
"جمر من الحزن "
والعجيب ان الاضلع قد سكرت منه و كانه نبيذ او سكرة الحزن
فمن يا ترى عصره
انهم الاحباب
جمر من الحزن في الأضلاع قد سكرت
من حبة القلب والأحباب من عصرا
***********************
لا ارتحي البرء
و هذه قمة المعانه
أن المعذب يستعذب الالم
فهو ينكر على من يبحث له عن دواء و شفاء
فيقولها الية داوية
صرخة قلب
"لا ارتجي البرء" من حزني
فذا قدري
منتهى الاستسلام و الانصياع
ثم يتساءل
و لانه قد احاطه و خبم عليه الحزن
رغم اقراره بقدره و استسلمه له
يتساءل
لكنما هل لبعض الحزن من دحرا
و هو لا يأمل بدحر الحزن كله وكان ذلك من المستحيلات
فعلى الاقل دحر بعضه لعله يخفف من وطأته
لا أرتجي البرء من حزني فذا قدري
لكنما هل لبعض الحزن من دحرا
**********************
ويعود
لذلك القلب الطفل
ومن منا فقد ذلك الطفل الذي يسكنه
فمن فقده
فقد البراءة و الجمال كله
فكل منا يتمسك بشيئ من ذلك الطفل
فهو هنا
يناجيه في قلبه
بل هو قلبه الذي لم يتلوث بعد فمازال على براءته
يا قلبي الطفل
يا مسكين
فهو يرحمه لعلمه ببراءته و ما يتعرض له
فيعتذر إليه
لانه زرعه في رمل بدا له من حبه هو الدرر
فحق عليه الاعتذار لذلك القلب البريء الذي لم يأخذ حيطته له
يا قلبيَ الطفل يا مسكين معذرة
إني بذرتك في رمل بدت دررا
**********************
ثم يعود للمستكن من الحزن في وجدانه
و تلك الخوابي
مازالت مضاجعها
تلد الويل
المستعر في الوجدان
خوابيُ الحزن ما زالت مضاجعها
ولادة الويل في الوجدان مستعرا
**********************
تمشي بعجرفة العنقاء في كبدي
وصف رائع
لتلك الخوابي
وكل ما يكتنفها
وكل ما يحيط بها
فهي تتحرك بعجرفة العنقاء ذلك الطاير الاسطوري الذي لا ينتهي وما ان ينتهي يجدد نفسه فيعود قادرا
وهو
اشارة لما في تلك الخوابي من قوة و انها ستستمر رغم كل محاولات ابعادها
فتلك الخوابي
ولادة
لا تعرف العقم
و التصبار ما قبرا
فهي لا تنتهي
و الصبر ايضا لا ينتهي
تمشي بعجرفة العنقاء في كبدي
لم يأتها العقم والتصبار ما قبرا
*********************
وهنا التناص
و الاستلهام للنث القرآني
"و هزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا"
ولكن للاسف
الذي يهز الجذع
او يهزهز الجزع
و الزيادة في المبنى زيادة في المعنى
فهي تهزهز الجزع كي تنال منه رطبه
ورطبه ان يتهاوى صبره و ينهار تحت وطأتها
فتنال منه
و تشرب القلب
وكأن القلب تحول في يديها لكأس مشروب
والقلب من خمرة وطأة الحزن مكمود و منكدر
تهزهز الجذع كي تأتي لها رطبي
وتشرب القلب مكموداً ومنكدرا
==================
و يتركنا الشاعر في مساحة شاسعة من الخيال لما يمكن ان يكون حثيلة المصارعة بين الحزن و الصبر
كل بحسب تصوره و جلده و قدرته
==================
وللحق أي قراءة قد تظلم القصيدة أو تظلم القارئ لها
لان شاعرنا رغم قلة عدد الابيات إلا ان الزخم الشعوري كان فائق الحد فما ترك مجالا لغيره فقد أجاد في وصف المشاعر في النص
وقد كثف الكلمات
بلغة أغنته عن كل شرح وتحليل
فإن كان من توفيق فمن الله
و إن كان من تقصير فلا أعدو بشريتي
فليعذرني الشاعر والقارئ
وإلى لقاء في الاسبوع القادم و قصيدة قادمة في برنامجكم قراءة شاعرة
محبكم : عارف عاصي
تعليقات
إرسال تعليق