مجلة آفاق الأدبية _____ الكتابة و المرأة في ديوان الحب يليق بحيفا _____ الناقد رائد محمد الحواري

الكتابة والمرأة في ديوان
"الحب يليق بحيفا"
عبد الله منصور
الأدب الجميل عابر للزمن، ويمكنه امتاع المتلقي الآن وفي المستقبل، ويمكنه أن يستوقف القارئ متفكرا في الشكل والطريقة والألفاظ التي قدم بها، ديوان "احب يليق بحيفا" للشاعر عبد الله منصور، الصادر في عام 1983، عند دار الكرمل للنشر والتوزيع في عمان، رغم (قدمه)، إلا أننا نجده فيه حداثة وتجديد ومتعة وما هو مثير، وما يؤكد على أن الشاعر كتب من قلبه، من داخله، نلمس الحميمية بين الشاعر والقصيدة.
الكتابة/القصيدة
أهم أداة عند تجعل الشاعر شاعرا القصيدة/الكتابة، يتناول الشاعر الكتابة/القصيدة في اكثر من موضع، منها ما جاء في قصيدة "لوحات على خد القمر":
"(1)
على وجه أسئلة
وأنا ضاع مني الجواب
وأنت بعيدة
فماذا يفيد العتاب؟!
فلم يبق إلا الرحيل لجرح القصيدة" ص34، اللافت في هذا المقطع وجود ألفاظ لها علاقة بالكتابة: "الأسئلة، الجواب، القصيدة" ووجود ترابط بين الألفاظ: "أسئلة/الجواب، بعيدة/العتاب، الرحيل/جرح، ضاع/الرحيل، وأنا/وأنت، ونجد التواصل والسرعة في وتيرة المقطع من خلال حرفي الواو والفاء، فيبدو من خلال طريقة تقديمه، وكأن الشاعر تعب/مستاء لهذا يتحدث بطريقة متواصلة وسريعة ، كما أن الكلمات (القصيرة) والبسيطة والحروف: "على، وجه، وأنا، ضاع، مني، وأنت، فماذا بفيد" تشير إلى تعبه وحالة الاغتراب التي يمر بها.
من هنا نقول أن القصيدة تُكتب الشاعر، وتصدر من داخله، من قلبه.
المرأة
العنصر الثاني الذي يلجأ إليه الشاعر في حالة الضغط المرأة، فهي ملاذه وقت الضيق والشدة، حتى أنها عند بعض الشعراء تكون مُولدة/مُوجدة لبقية عناصر الفرح، الطبيعة، الكتابة، التمرد، يقول في "لوحات على خد القمر":
"(7)
حبيبتي حقيقة سنفترق؟
حقيقة سنهجر المطارح التي نحبها؟
وطالما كنا التقينا عندها
يذوب بعضنا ببعضنا ونحترق
فأي محنة أتت؟
وأي شيء رائع فينا أنتهى
قبل الأوان واختنق.
إني وأنت دمعتان
فيهما زوارق
وفيهما رياح
وفيهما جراح
وفيهما قلق
بحران هائجان يمتطيهما مسافر
قد أدمن الغرق" ص42و43، الألفاظ المعرفة اقتصرت على ذكر المكان/"المطارح"، وعلى فعل/"الغرق" وهذا يشير إلى العلاقة الحميمة بين الشاعر والمكان، وأيضا إلى حالة الألم والقسوة التي يعانيها، ونجد تعلق الشاعر بالحبيبة من خلال ثنائية الألفاظ: " بعضنا ببعضنا، إني وأنت، دمعتان، بحران" كما أن تكرار "فيهما/وفيهما" أربع مرات يؤكد على (توحد) الشاعر مع الحبيبة، ورغبته الجامحة في بقاءه معها، بقربها، ويشير إلى ألم الشاعر، لهذا نجد حرفي "الفاء والواو" فحالة التواصل والسرعة في حديثه، تُعلمنا أنه يريد أن يُخرج ما فيه من ألم.
كان من المفترض أن يكون هناك بياض في الألفاظ بأثر استخدام لفظ "حبيبتي"، لكن الشاعر (يغرق) في القسوة والألم، مستخدما العديد من ألفاظ القسوة والألم: "سنفترق، سنهجر، ونحترق، محنة، أنتهى، واختنق، دمعتان، رياح، جراح، قلق، هائجان، يمتطيهما، أدمن، الغرق" وهذا ناتج على تماهيه مع الحالة التي يمر بها، لهذا وجدناه (يتخلى/يتجاهل) جمالية لفظ "حبيبتي" ويغرق في بحر الغياب والبعد.
ورغم هذا السواد النابع من واقعية "نفترق" إلا أن العقل الباطن للشاعر اشار إلى ميله وتعلقه بالحبيبة، فمن خلال الحروف والكلمات يمكننا أن نقرأ (تشبث) الشاعر بالحبية، فتكرار حرف الحاء في اكثر من كلمة: "حبيبتي، حقيقة (مكررة)، المطارح، نحبها، محنة، رياح، جراح، بحران" يشير إلى أن لفظ حبيبة بقى حاضرا في وجدانه، لهذا جاءت الكلمات تحمل حروف "حبيبتي".
كلنا يعلم أن حرف القاف وقعه على الأذن شديد، وهذا يستدعي التوقف من السامع، وبما أن هناك العديد من الكلمات جاء فيها حرف القاف: "حقيقة (مكررة)، التقينا، نحترق، واختنق، زوارق، قلق، الغرق" فبدت هذه الكلمات وكأنه (صرخة) ألم من الشاعر، وبهذا يكون قد أوصل لنا فكرة ألمه على الفراق بأكثر من شكل وطريقة.
واللافت في هذا المقطع أن الشاعر يتنبأ بما سيكون عليه حالة المهجر/المهاجر، فنجده يصف حالة هيجان البحر: "بحران هائجان، زوارق، رياح، جراح، مسافر، قلق، الغرق" فبدا المقطع وكأنه تنبؤ بما سيكون عليه حالنا بعد (الخراب العربي) وما أصابنا أهلنا العابرين لغياهب البحر.
لكن الشاعر عندما يتحدث عن المرأة بحالة الحضور، الآن، نجده يهيم بها وفيها، فيظهر (شاعريته) وتألقه:
"(10)
...
إن عبد الله يشدو
والمواويل عناقيد نجوم
قد تدلت فوق دارك
فقطفيها...
قد أتت من ليل سهدي
لتكون ـ ما شئت ـ جزءا من سوارك" ص47، البياض لا يقتصر على المعنى فحسب، بل نجده في الألفاظ أيضا: " يشدو، والمواويل، عناقيد، نجوم، تدلت، دارك، فقطفيها، أتت، سهدي، سوارك" وهذا ناتج إلا هناك عنصرين للفرح المرأة التي نجدها: "دارك، سوارك، ما شئت، اقطفيها" والكتابة التي نجدها في: "عبد الله، يشدو، المواويل" من هنا تم (ولادة) عنصر فرح آخر، متمثل في الطبيعة التي نجدها في "عناقيد، نجوم، تدلت"، من هنا جاءت الصورة الشعرية كاملة في المقطع، لتكون تاجا وتتويجا للفرح الشاعر، وتعبيرا عن حالة النشوة التي هو فيها، لهذا نجده مطلق البياض، تنسجم فيه فكرة الفرح مع الألفاظ.
الشعراء يتأثرون بكل صغيرة وكبيرة، فيبدو الفرح عن يفرحون، ويبدون الحزن عندما يحزنون، يحدثنا الشاعر عن حالة (الحزن) رغم حضور الحبيبة بقوله:
"(16)
ولما تجيئين وقت المساء
إلى شاعر مفعم بالكآبة
يصير اللقاء
على شفتي القصيدة نارا
ونغدو كغابة" ص52، نلاحظ أن اللغة بسيطة، وهي تشير إلى أن الشاعر يمر بحالة حزن/ألم، لهذا نجده يُعرف ويُؤكد على "بالكآبة"، ف(العادية) في الألفاظ تؤكد على أن هناك حالة/أمر غير سوي يجري، لكن بما أن الشاعر يتحدث عن نفسه/"شاعر" فقد جعلته هذا الفاظ (يستفيق)/يستيقظ ويصحو من سباته، فيستعيد ادواته/"القصيدة"، ويقدم صورة شعرية في نهاية المقطع: "ونغدو كغابة".
وإذا ما توقفنا عن المقطع بشمولية، نجد هناك (نقلة ميلودرامية)، ففي الفاتحة كانت حزينة/"بالكآبة" لكن الخاتمة جاءت (نارية)/نارا، وغير (منسجمة) مع "نغدو كغابة"، وهذا حصل لوجود عنصرين من عناصر الفرح، المرأة والكتابة معا، فتحولت/انقلبت الكآبة إلى "نغدو كغابة".
في قصيدة "تسافرين... وأظل هنا أحزن" نجد تماهي بين المضمون والألفاظ، وهي من القصائد التي يستوجب التوقف عندها:
"لماذا أحن إليك وأنت قريبة؟
لماذا أحن إليك وأنت بعيدة؟
وقد صارت احتياجي
وكل اكتمالي
وصرت الحبيبة.
وصرت دمي، ونبض قلبي
وعمري الوحيد وروحي الوحيدة
لماذا أحن إليك؟..
سؤال جميل يهاجر كل مساء
لدفء البلاد السعيدة
يعانق موج البحار
ويشفي جراح القلوب الغريبة
ويخبر عنك وعني
وعن روعة الحب
كيف تشكل فينا المعاني الجديدة" ص80و81، هناك مجموعة الفاظ لها علاقة بحالة الحب، والرغبة بالمرأة: "أحن (مكررة)، قريبة، بعيدة، احتياجي، اكتمالي، الحبيبة، نبض، قلبي، عمري، روحي، الوحيدة، إليك، جميل، لدفء، السعيدة، يعانق، ويشفي، القلوب، عنك، روعة، الحب، المعاني، الجديدة" كل هذه الألفاظ متعلقة بالحب، وهذا ما يجعل القارئ يصل إلى المعنى الذي يريده الشاعر من خلال الألفاظ المجردة. وإذا ما توقفنا عند الافعال سنجدها مضارعة تجري الآن: "أحن (مكررة)، يهاجر، يعانق، يشفي، يخبر، تشكل" وهذا يشير إلى حالة النشوة التي يعيشها الشاعر، وكما هو حال الشاعر في حالة الحون يتحدث بطريقة متواصلة وسريعة، نجده يقوم بعين الحديث في حالة النشوة، فهو يستخدم حرف الواو ثماني مرات، وهذا يعكس ما يحمله في العقل الباطن من رغبة واندفاع تجاه الحبيبة.
الديوان من منشورا دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 1983

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة آفاق الأدبية ______ يا سر الهنا ______ بقلم الشاعر نزار سالم

مملكة أقلام و حروف _____ أبكي بلدي _____ الشاعرة صاحبة الظل الطويل

مجلة آفاق الأدبية ________ لون الحزن _____. الشاعر حسين علوان