مجلة آفاق الأدب ______ قراءة نقدية لقصيدة الشاعرة لميس سلمان صالح " أصدق بيان " ______ بقلم الأديبة و الناقدة وجدان خضور
أصدق بيان
ذئبٌ ينسلُ مني
عِبرَ دهاليزِ العتمةِ
يتسلَّلُ إلى قصيدتي
في ليلةٍ
غائمةَ الملامحِ
غبارَها براق
وسحائبها مسمومةَ المداد
ذئبٌ أوى إلى حضنِ الحلمِ
قطفَ أزهاره
نهشَ أغنيانه
والسماء لغة سرية
تتسرب من شقوق الهذيان
كلما أُسر الضياء
خلف مكر القضبان
غدٌ ..وذاكرةٌ
تفوح بالعويل
نسيتُ نفسي في العراء
و الأصابعُ خاويةٌ
أبحثُ ...
في النبضِ الأمان
والقلبُ شاسعٌ للطعنةِ
بعدَ تعلمِ الشجرِ
الكتابةِ والغناء
في أفياء أغصان السنديان
ذئبٌ...
انسلَ خنجراً
تحت الظلام
و المدى مفتوحٌ
دخانٌ جريء
دهشةٌ و عَجَبْ
ومتاهةٌ مسكونةٌ الزناديق
الشمسُ...
تحتسي الترياق
و على السريرِ
رياحٌ تغفو
و سحابةٌ تحت الوسادة
.....هجيرٌ ....
يصعّدُ اللهاث
إنه يومئ لي
وعلبةُ سجائري رماد
في ليالٍ ...
تضم حنين الصقيع
وبقايا ظلال
ذئابٌ تحتذي
دمها الخؤون
حتى مطلع انتفاضة
وتناثر الأشلاء
على خاصرة العقارب
وهذا ....
أصدق بيان
في......
محطات الفضاء
لميس سلمان صالح
أصدق بيان ..
عتبة تأخذنا إلى حدث مصفى بغربال الصدق الشفيف فالشاعرة من الوهلة الأولى وضعت القارىء في حالتين متناقضتين .. الصدق / الكذب .. فالصدق لا يظهر في الصورة إلا لمحاربة الكذب والخداع وهذه هي اللبنة التي أسست عليها الشاعرة بناء النص ... قصيدة عائمة في العتمة وذئب والذئب بطبيعة الحال لا يصطاد فريسته إلا تحت ستار العتمة ولذلك نراه هنا قد اندس في ليلة غائمة الملامح خارجة من عهدة النور أي انه عبر في وقت كانت البصيرة مشوشة أو مطرودة من اليقظة عنوة دونما إرادة فلم تفلح في كشف هذا الخائن الذي عبر براق من غبار مؤذي وطافح بالفساد .. تسترسل الشاعرة وهي تصف هذا الوقت الذي عبر فيه هذا الخائن أو الذئب فتقول ان هذا الوقت المعتم سحائبه مسمومة المداد أي تشبع بهذا المداد المسموم بالفساد والشتات والضياع وتكمل شاعرتنا المدهشة عن صيرورة هذا الذئب وبما تضمنه من فساد قائلة ..ذئب أوى الى حضن الحلم قطف أزهاره ونهش أغنياته .. انه هذا المفسد الذي أوى الى الحلم استطاع ان يدخل إلى عقول الناس نشر الوهم بالتضليل والسراب الذي يتضمن ما احتوته أحلام المتعبين من أحداث وأمنيات هو جعلهم يرون الكذب والخداع وجبة شهية لأحلامهم لكنه في الحقيقة مجرد سراب قطف أزهار الحلم ونهش أغنياته أي هدم وضيع ما قد بنوه من أحلام .. هنا في هذا المقطع نرى بصيص أمل في خضم هذا المشهد المزري فالسماء لها لغة سرية لن يفهمها غير الحب وأهله والعطاء والإباء لغة تتسرب من شقوق الهذيان وهم في أشد الحاجة الى الأمل إلى العروة الوثقى التي يستمسكون بها من أجل النجاة وهم في حالة من الهذيان الذي سببه اليأس كلما تم أسر الضياء خلف قضبان المكر والغدر أرى هنا تصوير مدهش للشاعرة حين قالت ..كلما أُسر بضم الألف لأسر أي تم القبض على الضياء وأسره .. أرى الضياء هنا هو المقاومة كما قلنا سابقا لا يظهر الصدق في الصورة إلا لمحاربة الكذب تصوير بارع إنهم المغاوير الذين يتم أسرهم كلما نهضوا باستبسال للدفاع عن الحلم .... تعود الشاعرة إلى المشهد من أوله وهي تصف المشهدية بذاكرتها المثقلة بالجراح ذاكرة تفوح بالعويل تفوح باليأس والضياع والشتات في حالة من الوجوم والقهر تقول الشاعرة نسيت نفسي في العراء والأصابع خاوية انه مشهد مهيب ربما هو مشهد الهجرة أو التهجير واللاجئون في العراء وأصابعهم خاوية من الوطن المسلوب .. حالة من الضياع تجعل النفس تبحث عن الأمان في النبض ..والقلب شاسع للطعنة إنه الجرح الذي سببته الطعنة من أقرب الأقربون إنه هذا الغدر الذي مزق الجسد وبتر الذراع ومن ثم قطع الظهر فأصبحنا في مصيدة اليأس... في دفاعنا عن الحلم من الطغيان الشرس تبحث الشاعرة المجروحة عن الأمان أين هو الأمان وقد تم التهجير من البيت والأرض.. والقتل كسر أقدام الواقع .. لذلك كانت الطعنة شرسة بعد تعليم الشجر الكتابة والغناء في أفياء السنديان .. السنديان هو ذياك المغدور إنه المخدوع الذي تم خيانته سرا وعلانية وكان التعليم تحت رعايته لشدة ذكائه لكنه لم يكن يعلم أنهم يستغفلونه لكي يكون ظهره هو غمدا لخناجرهم المقيتة .. ذئب انسل خنجرا تحت الظلام والمدى مفتوح دخان جريء دهشة وعجب ومتاهة مسكونة الزناديق .. في هذا المقطع نرى استشراء الفساد بهذا الخنجر المسموم وهو نفسه الذئب الغادر المخادع حيث استطاع بدخانه الجريء أن يخدع الناس مندهشة الشاعرة ومتعجبة من جراءة هذا الخائن الذليل الذي باع دينه ووطنه للطاغاة وللعدو المقيت إذ تقول الشاعرة إنهم في متاهة مسكونة بالزناديق لقد تردوا في واد الضلال والهوان حين قبلوا ان يكونوا ذئاب تتسلط على رقاب الاحلام والامنيات .. الشمس تحتسي الترياق وعلى السرير رياح تغفو وسحابة تحت الوسادة .. هجير .. يصعد اللهاث .. في هذا المقطع تصور الشاعرة حقيقة بدلالة الترياق والشمس إنه هناك على أهبة الاستعداد من ينضوي تحت شمسهم تحقيق الحلم يخططون لاستراتيجية النجاة بهذا الترياق الذي تحتسيه الشمس وعلى السرير رياح تغفو بعدها العاصفة فإن موعدها لم يحن بعد.. هي الآن رياح تغفو وتطمئن إلى أن يحين الوقت... وسحابة تحت الوسادة إنها سحابة الحلم الذي ننتظرها لتهطل علينا بالأمل الذي تهاطل بالامنيات وذاك الهجير الذي يتصاعد باللهاث واللهفة المسجورة بما اجترحه هذا الخائن من ظلام .. يومئ لها هذا الحال من الذكريات الكلمى بما تضمنه الحنين من صقيع وبقايا ظلال أو هي أطلال الديار المسلوبة .. ذئاب تحتذي دمها الخؤون حتى مطلع انتفاضة وتناثر اشلاء على خاصرة العقارب وهذا أصدق بيان في محطات الفضاء .. إنها تلك الذئاب وما تمخض عنها من ظلم وظلام وطغيان مما يجعل الأشلاء تتناثر على خاصرة الوقت في كل حين وهذا هو فعلا اصدق البيان .. دمت يا سادنة اللغة تحفرين على ألواح الادب صورا شعرية التقطتها بصيرتك الادبية بلغتك الهادرة بتدفقات لا يسعها سوى نهر شاسع الدفق ..مودتي
بقلم الأديبة و الناقدة وجداز خضور
تعليقات
إرسال تعليق